إنجازات الداخلية- تفكيك خلايا إرهابية وكشف مخططات الشرقية الخطيرة
المؤلف: عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان08.13.2025

بفضل جهودها الدؤوبة، سطرت وزارة الداخلية ثلاثة إنجازات تاريخية جديدة تضاف إلى سجلها الحافل بالإنجازات المتميزة في ميدان مكافحة الإرهاب، وتبرهن للعالم أجمع على كفاءتها العالية وقدرتها الفائقة في التصدي للإرهاب الدولي واقتلاعه من جذوره. تمثلت هذه الإنجازات في تفكيك خلية شقراء الداعشية الإرهابية، وإحباط مخطط إرهابي آثم كان يستهدف جوهرة جدة، والكشف عن هويات ثمانية مواطنين سعوديين ومواطن بحريني متهمين بالتورط في قضايا إرهابية في المنطقة الشرقية. ونظرًا لخطورة الجرائم الإرهابية التي ارتُكبت في المنطقة الشرقية وتأثيرها المباشر على الأمن الوطني، سأتناولها بشيء من التفصيل.
فقد سبق لوزارة الداخلية أن أشارت إلى وجود صلة وثيقة بين الجريمة التي استشهد فيها أحد أفراد قوات أمن المنشآت في الدمام وثلاث جرائم إرهابية أخرى وقعت جميعها في المنطقة الشرقية. ولكن، متى تحديدًا وقعت هذه الجرائم؟ وما هي المسافات التي تفصل بين مسارح هذه العمليات الإجرامية؟
العملية الأولى وقعت في تمام الساعة 2:45 من صباح يوم 13/ 11/ 1437ه، حيث قام أربعة أشخاص ملثمين يستقلون سيارة بإطلاق النار على الجندي الأول عبدالسلام برجس العنزي أثناء قيامه بواجبه في شرطة محافظة القطيف.
أما العملية الثانية، فقد اتسمت بطابع خاص ووقعت في تمام الساعة 10:30 من صباح يوم 18/ 11/ 1437ه، حين تعرض ثلاثة من موظفي شركة نقل الأموال لإطلاق نار من قبل شخصين مجهولين بينما كانوا يقومون بتعبئة جهاز الصراف الآلي في بلدة النابية التابعة لمحافظة القطيف والاستيلاء على الأموال التي كانت بحوزتهم. الجدير بالذكر أن الموظفين لم يلتزموا بالتعليمات الصادرة إليهم بشأن تعبئة أجهزة الصرف الآلي، مما أتاح للجناة الاستيلاء على مبلغ تسعة ملايين ريال (حسب ما ذكرت صحيفة سبق)، لتصبح هذه الخلية الإرهابية بذلك الأغنى في المملكة العربية السعودية. اللافت في هذه العملية أنها وقعت في وضح النهار. ووفقًا لما نشرته صحيفة (مكة)، فقد أبلغ الموظفون بعد انتهائهم من تعبئة الصرافات في منطقة الصفوى المركز بأن سيارتهم أصبحت خالية من الأموال وأن مهمتهم قد انتهت، وأنهم سيعودون إلى مقر شركة التغذية. وعلى إثر ذلك، أصدر قائد الدوريات الأمنية أوامره للدوريات التي كانت ترافقهم أثناء تعبئة صرافات صفوى بالعودة. بعد ذلك، عاد الموظفون بسيارة نقل الأموال عبر طريق الظهران الجبيل السريع، ثم دخلوا النابية بالسيارة دون مرافقة دورية أمنية، الأمر الذي سهل عملية السرقة. فهل كان هناك تواطؤ ما وراء عملية نهب الأموال هذه؟ أما العملية الثالثة، فقد وقعت في تمام الساعة 11:00 من مساء يوم 16/ 12/ 1437ه، حيث تعرضت دورية أمنية أثناء قيامها بمهامها في حي الخضرية بمدينة الدمام (الواقع بالقرب من طريق الظهران الجبيل السريع) لإطلاق نار من مصدر مجهول، مما أسفر عن استشهاد رجلي الأمن الرئيس رقباء موسى القبي والجندي الأول نواف العتيبي.
أما الجريمة الأخيرة، فقد وقعت في تمام الساعة 12 من صباح يوم الثلاثاء الموافق 24 /1/ 1438ه، حيث تعرض رجلا أمن المنشآت حسن بن جبار صهلولي ومفرح بن فالح السبيعي، أثناء توقفهما بسيارة خاصة عند أحد المواقع التجارية بشارع الملك سعود في حي الضباب بمدينة الدمام، لإطلاق نار كثيف من مصدر مجهول، مما أدى إلى استشهادهما. كان الشهيدان يعملان ضمن قوة أمن المنشآت المكلفة بتأمين مصفاة أرامكو في محافظة رأس تنورة القريبة من القطيف.
ولإدراك النطاق الجغرافي الذي تحركت فيه هذه العمليات الإرهابية والمسافات التي تفصل بين مسارحها، نجد أن المسافة التقريبية لمسارح العمليات التي استهدفت رجال الأمن هي كالتالي:
• تبلغ المسافة بين القطيف، التي شهدت جريمتين (السطو المسلح في وضح النهار واستهداف رجل الأمن بشرطة القطيف الواقعة في مدخل القطيف)، وشارع الملك سعود، مكان استشهاد رجلي أمن المنشآت، حوالي 25 كيلومترًا، وتستغرق الرحلة بالسيارة حوالي 22 دقيقة.
• تبلغ المسافة بين حي الخضرية، مكان إطلاق النار على الدورية الأمنية، والقطيف حوالي 26 كيلومترًا، وتستغرق الرحلة بالسيارة حوالي 24 دقيقة.
• تبلغ المسافة بين حي الخضرية، مكان إطلاق النار على الدورية الأمنية، وشارع الملك سعود في حي الضباب بمدينة الدمام، مكان إطلاق النار على رجلي أمن المنشآت، حوالي 5 كيلومترات، وتستغرق الرحلة بالسيارة حوالي 8 دقائق.
• العامل المشترك بين مسرحي الجريمة في الدمام، الخضرية وحي الضباب، هو طريق الظهران الجبيل السريع، مما يسهل على الجناة الهروب والتخفي.
وبناءً على ذلك، فإن المسافة بين منطقة الخضرية (مكان استهداف الدورية الواقعة في أطراف الدمام) والقطيف (مقر تواجد الخلية) هي الأبعد، حيث تبلغ 26 كيلومترًا، مما يشير إلى أن هذه الخلية تتحرك في نطاق محدود يقتصر على المنطقة الواقعة بين القطيف والمناطق المتواجدة على طريق الظهران الجبيل السريع (أطراف الدمام)، وهو الطريق الرئيسي المؤدي إلى القطيف، وذلك بهدف استهداف رجال الأمن في هذه المناطق. وتعتمد الخلية على الأسلوب نفسه في قتل الضحايا، وهو استخدام الأسلحة النارية وعنصر المباغتة. وقد تم تنفيذ جميع العمليات التي استهدفت رجال الأمن بين الساعة 11 مساءً و 3 صباحًا، باستثناء عملية السطو التي نفذت في وضح النهار.
وقد أسفرت هذه العمليات الإرهابية عن الاستيلاء على مبلغ تسعة ملايين ريال واستشهاد خمسة من رجال الأمن، ثلاثة منهم أثناء تأدية واجباتهم الأمنية ورجلي أمن بعد الانتهاء من مهامهم. كما تم استهداف رجلي أمن آخرين، مما أدى إلى استشهاد أحدهما. وبذلك، يتضح أن هذه الخلية تمارس أسوأ أنواع الإرهاب، وهو الإرهاب الموجه ضد دولتنا.
إن استهداف رجال الأمن يتطلب جمع معلومات دقيقة وعمليات رصد مسبقة، بالإضافة إلى تواصل مستمر بين أفراد هذه الجماعة الإرهابية عبر إحدى وسائل الاتصالات. وبهدف تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية وعزلها، تم تطبيق نظام البصمة للمشتركين في خدمات الاتصالات المتنقلة ومطابقتها مع الأوراق الثبوتية. وبالتالي، من المفترض ألا يمتلك المشاركون في هذه العمليات الإرهابية، إذا كانوا من المطلوبين أمنيًا، خدمة الاتصالات المتنقلة. إذن، كيف تمكن أعضاء هذه الخلية الإرهابية من الحصول على هذه الخدمات؟ هل استخدموا خدمات الاتصال بأسماء أخرى؟
من خلال هذه العمليات الإرهابية، يتضح أننا نتعامل مع أخطر خلية إرهابية، ذات قدرات مالية كبيرة. لذا، لا بد من التعاون الوثيق مع السلطات الأمنية للإبلاغ عن المطلوبين التسعة، وتتضح الحاجة الملحة للاستثمار في التقنيات الأمنية الحديثة، مثل تحويل نقاط التفتيش التقليدية إلى نقاط تفتيش ذكية على الطرق والشوارع الرئيسية، وذلك للمساهمة في تعقب المركبات والأفراد المطلوبين. وكذلك، يجب الاستثمار في الأدلة الرقمية، حيث إن هذه الخلية (كما ذكرت في مقال سابق في عكاظ وفي لقاء مع العربية) تعتمد بشكل كبير على الهواتف الذكية وتطبيقاتها في تحديد نقاط التفتيش الأمنية والتواصل فيما بينها. فهم يشكلون الخلية الأخطر، ولا بد من القبض عليهم وتقديمهم للعدالة، مهما كلف الأمر، من أجل استتباب الأمن في ربوع المملكة العربية السعودية.
(*) أكاديمي سعودي - باحث في الأمن الإلكتروني